أتدري ما الفارق الرئيسي بيننا وبين سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع قول الله "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" فقال: بلى والله يارب نحب أن تغفر لنا وعفا عن مسطح الذي كان قد خاض في الإفك مع الخائضين؟

أتدري ما الفارق الرئيسي بيننا وبين سيدنا أبي الدحداح الذي تصدق ببستانه لما سمع قول ربه "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له"؟

أتدري ما الفارق الرئيسي بيننا وبين الفضيل بين عياض الذي تغيرت حياته بالكامل بعد أن سمع آية واحدة "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" فصاح باكيا بلى يا رب قد آن.. بلى يا رب قد آن وصار من أعبد الخلق وأتقاهم لله؟

أتدري لماذا أجاب الجن حين سمعوا السؤال المتكرر في سورة الرحمن "فبأى آلاء ربكما تكذبان" فردوا من فورهم: "لا بشىء من آلائك نكذب ربنا ولك الحمد" واستحسن النبي إجابتهم؟

أتدري لماذا صاح الصحابة: انتهينا يا رب انتهينا يا رب وأريقت الخمر في شوارع المدينة أنهارا لما قال الله: "فهل أنتم منتهون" بعد أن ذكر بشاعة الخمر والميسر؟

أتدري ما الفارق الرئيسي بيننا وبين هؤلاء وغيرهم ممن أجابوا واستجابوا؟

الفارق إنهم تعاملوا مع القرآن أنه كلام الله لهم.

أنهم تفاعلوا مع القرآن ونظروا إليه نظرة سديدة دقيقة ظهر أثرها جليا في ردود أفعالهم التي ذكرت في السطور السابقة طرفا يسيرا منها
نظرة مفادها وخلاصة أثرها: أن الله يكلمنا
هذه الآيات كلام الله لنا
ملك الملوك يخاطبنا نحن
هذه النداءات والسؤالات والأوامر والنواهي والتوجيهات موجهة لنا
لك ولي...
كيف إذن لا أرد؟
كيف إذن لا أتفاعل؟
وهل يسعني أن أعرض وألا أجيب ولا أستجيب؟
هذا هو الفارق المحوري بيننا وبينهم

للأسف كثيرا ما نتعامل مع القرآن على أنه فقط كتاب شعائري تعبدي أو أنه وسيلة لتحصيل الحسنات وجمع الثواب في المواسم التعبدية وحسب، بينما ننسى أو نتغافل عن تلك الحقيقة العظمى

حقيقة أنه كلام الله
أنه حبله الممدود طرفه بأيدينا كما وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم
ورغم أن حل كثير من مشكلاتك ومفاتح نفسك وتذكرة أوبتك قد تكمن في آية واحدة
في كلمة أو كلمات ربانية تقرؤها أو تسمعها فتشعر أنها موجهة لك أنت
تنتشلك معانيها..
وتشفيك موعظتها..
وتضىء توجيهاتها طريقك
ورغم أنه كثيرا ما يكون الحل في التذكير بالقرآن -وحسب- دون وسيط أو إضافة أو تكلف أو كثير من كلام البلغاء ونظم الفصحاء الذي ربما يكون له مواطن أخرى
رغم كل ذلك إلا أن قليلا من ينتبه وقليلا من يدرك هذه الحقيقة البسيطة النقية
حقيقة كونك في لحظة ما تحتاج إلى أن يُخلَّى بينك وبين كلام ربك..
وأن تتذكر أنه كلام ربك
وأنه يدعوك..
يدعوك ليغفر لك كما قال عن نفسه
حاول تتعامل مع القرآن من هذا المنطلق
حاول أن تتفاعل معه..
تجيب عن سؤالاته
وتمتثل لأمره
وتنتهي عن نهيه
حاول تستشعر أنك أنت المخاطب
أنت
نعم أنت..
حاول تعتبر أن اسمك مكان كل كلمة عبادي أو الذين آمنوا أو الناس وسائر تلك الكلمات التي تأتي بعد النداءات القرآنية الكثيرة
واستمتع بـ

أكثر...