مقابلة مع مصطفى عزت أقدم سجناء مصر، أتمها محمد منير ووضعها في كتابه "السجين"،
نقلتها حتى أكشف الستار عن حقيقة أقدم السجناء -ظُلماً- والذي لم يُعرف عنه إعلامياً ولا في موسوعة غينيس ولا في غيرها .. اللهم فرج همه وعوضه بدار أخرى خير مم خسر ..

مصطفى عزت ..

وهو يروي عن بداية اعتقاله ..

-في عام 1948 كنت متزوجاً وأعيش حياة هادئة وسعيدة في حجرة بحي السيدة زينب وبإيجار 35 قرشاً في الشهر وكانت حياتي مستقرة للغاية وكنت أعمل مديراً لإحدى شركات الشاي وفي تلك الفترة كانت زوجتي حاملاً في شهورها الأولى وفي أحد الأيام التقيت ببعض أصدقائي بعد عودتي من العمل وأقسموا عليَّ أن أقابلهم على "القهوة" لأتناول معهم كوب شاي فأبلغت زوجتي وذهبت معهم وأثناء تناول الشاي فوجئت برائحة غريبة تأتي من جهة بعض الأشخاص الجالسين جوارنا وكان الدخان يتطاير بشكل مكثف ولأنني لا أدخن السجائر فلم أعلم أن هذا حشيش وإلا بعد أن أبلغني صديقي بذلك وقبل أن نترك القهوة فوجئنا بشخص يجري بسرعة وهو يردد "الضابط جاي" .. "الضايط جاي" .. وفوجئت أن كل الجالسين على القهوة هربوا وهم يرددون أيضاً "الضابط جاي".. فتعجبت وقلت لنفسي .. اية يعني الضابط جاي ؟ وبعد لحظات وأنا لازلت جالساً في القهوة بمفردي رأيت سيارة شرطة تقف أمام القهوة ونزل منها ناس بجلاليب ومعهم واحد أفندى كان يجلس بجوار السائق والتفوا حولي وسألني الأفندى أو الضابط بتعمل اية هنا ؟ قلت له .. كنت جاي أشرب شاي مع أصدقائي فأمر العساكر بتفتيشي فلم يجدوا شيئاً فقلت له : هوه شرب الشاي ممنوع ؟ فأجابني بغلظة .. بطل كلام وما تبقاش غلباوي .. فقلت له : خليك مؤدب وفجأة التوفوا حولي العساكر وبإشارة منه وضربوني وقال له أحد العساكر .. أنا وجدت قطعة حشيش تحت الكرسي فقال الضابط : كويس .. هاتوه على البو** وأخذوني على قسم السيدة زينب وبدؤوا يضربونني مرة أخرى والضابط يقف فلم أتحمل فرميت المكتب عليه والكراسي وحضر المأمور وقال للضابط بلاش دوشة .. إعمل له قضية وخلاص .. وبالفعل عملوا لي قضية حشيش وتم تحويلي إلى النيابة في اليوم التالي والتي أمرت بحبسي أربعة أيام على ذمة التحقيق ومنها إلى المحكمة التي حكمن عليَّ ظلماً بثلاث سنوات سجناً.


وأين قضيت هذه المدة ؟

- بعد الحكم تم ترحيلي إلى سجن مصر العمومي بالقلعة قبل أن يهدم ومنذ ذلك اليوم 12 أكتوبر 1948 وأنا محروم من زوجتي ووالدي ووالدتي وامتلأت باليأس والحرمان وأثناء قضاء المدة توفي والدي وبهدها والدتي وكان هذا في شهر رمضان فساءت حالتي النفسية ويئست من الحياة ولم أعد أرى غير الظلام الذي يخيم على جدران الزنزانة التي أعيش فيها والذي قتل بداخلي كل شعاع أمل وبدأت مشاجراتي مع المساجين والضباط داخل السجن وفي كل مرة كانت تزداد الأحكام إلى أن وصلت 125 سنة سجناً.


لكن معنى أن تصل الأحكام إلى 125 سنة أن القضية أكبر من المشاجرات ؟

- زمان أيام الملك فاروق كانت السجون صعبة جداً وكان فيه تعذيب وضرب وإهانة والعسكري كان يمسك الشومة ويضرب بدون وعي وكان يوجد أيضاً فلكة للتعذيب إلى جانب الإهانة والشتائم فالسجن لم يكن تهذيباً وإصلاحاً، بل تعذيباً وبلطجة وكانوا يحضرون لنا الغذاء رغيفاً ونصف رغيف طول النهار ولون الرغيف كالأسفلت والفول بالسوس والعدس بالزلط وبعد فترة تم ترحيلي إلى سجت أبو زعبل وأشتغلت في الجيل وكنت أقوم بت**ير الحجارة السوداء وكان السجان يضربني بالشومة على ظهري فضربته فحدثت له إصابة أنتهت إلى محضر في النيابة وقضية وتم الحكم عليَّ فيها بثلاث سنوات وقضية أخرى خمس سنوات وهكذا إلى أن وصلت 125 سنة.


ومن الذي كان يزورك في تلك الفترة ؟

- كان يزورني والدي ووالدتي قبل وفاتهما وكانوا يحضران جلسات المعارضة بعد الحكم عليَّ وأيضاً زوجتي إلى أن توفت بعد مرور 15 سنة لي في السجن وكانت قد أنجبت لي أبناً وزارني معها مرات عديدة لكن فجأة انقطعت أخباره عني ولم أعلم عنه أي شيء وعلمت فيما بعد أنه كان طياراً حربياً واستشهد في حرب 1967 وأنه كان متزوجاً وله أبناء لكن لا أعلم عنهم أي شيء على الإطلاق.

مفتقر مسؤولية (ابن عُرب)التاريخ-السجون-وسائل الإعلام-مصر-الثقافة والأدب


أكثر...