شِـــــدَّةُ القُــرْبِ حِجــــــابٌ ........
بعد أن قضينا ذلك الاسبوع أنا و ( أحمد ) في الجامعة غادرت إربد و رجعت إلى البيت لأجد صديقي فيصل قد رجع هو الآخر ــ في نفس اليوم ــ من الضفة الغربية ، حيث يقضي العطلة الصيفية هناك كعادته ، و أخبرته بأن لي جلسة طويلة معه لكي أُخبره بالتطورات اللتي حدثت معي ، فهو الصديق و الاخ و الوالد و الاهل اللذي يستمع إلى حديثي و كلامي بكل إهتمام و حماسة ، ولم أرى منه ـــ قط ــــ إي إنزعاج أو قِلَّة إهتمام لأحاديثي .
لم يبقى على الموسم الدراسي 1988 / 1989 إلا إيام معدودة و يجب الاستعداد لها ، خرجنا انا و فيصل لتجهيز و شراء ملابس و حوائج الكتب من دفاتر و نحوها ، ولَمَّا رجعنا من السوق و جلسنا في بيت فيصل ـــ ( في غرفته الخاصة ) ـــ طلب إلي بأن أخبره بكل شيء ، و فعلاً بدأت بالحديث كيف قضيت الصيف بالتفصيل ، و أثناء حديثي لاحظت ــــ و بِكُلِّ وضوح ــــ تغير وجه فيصل ، و بدا الانزعاج عليه واضحاً جَلِيَّاً ، فتوقفت عن الحديث ، و سألته السؤال التقليدي :-
إيش مالك ؟! .
قال :- لا شيء ، أكمل حديثك .
قُلْت :- كيف تريديني أن أكمل حديثي و أنت منزعج منه هكذا ؟! .
قال :- و منذ متى و أنا أنزعج من حديثك ؟.
قُلْتُ :- الآن أنتَ مُنْزعج من حديثي ، و أنا أعرفك جيداً .
قال :- لا عليك ، أَكْمِل حديثك .
قُلْتُ :- لا بأس ، لا ثَمَّ شيء مهم لكي أُكمل حديثي عنه . ثم طلبت إليه أن يحدثني كيف قضى العطلة الصيفية ، فأخذ يحدثني و انا سارحٌ أُفَكِر لماذا انزعج فيصل من حديثي ؟! ، وبعد أن خرج من ذلك المزاج و الجو إستأذنت منه و عدْتُّ إلى البيت و كُلِّي هَــمٌ و تفكير ما اللذي أزعج فيصل؟! .
بدأ الفصل الدراسي الاول و بدأ معه الروتين اليومي ، ولكن فيصل مختلف معي ، و كان دائماً يسألني عن هذا الشاب الثلاثيني ، اللذي يكبرني بأكثر من 17 سنة !! ، فكنت أُجيبه بحذرٍ و بشكل مقتضب دون إسهاب و على قدر السؤال لكي لا ينزعج ، ومع ذلك كان ينزعج ، بالتالي يزيد هَمّي و حيرتي و حزني .
جاء موعد حفل زفاف شقيقي الاكبر ، و بدأت السهرات و الاحتفالات ، وكان من ضِمْن المدعويين ( فيصل ) و ( أحمد ) ، فطلب إلي فيصل ـــ بإصرار ـــ أن يعرفني على أحمد ، فما كان عندي أَيُّ مهربٍ من ذلك ، فجمعتهم ببعض ، و عرَّفتُ أحمد لفيصل قائلاً : [ فيصل ، هذا أحمد اللذي حدثتك عنه ] نَظَرَ إلي أحمد نظْرة إستغراب و استهجان مصحوبة بضحكة تعجب !! ، وَ لِسَانُ حاله يقول : كيف أَمْكَنَنِي أَنْ أُخْبِرُ شخصاً مــا عَمَّا بيننا وأبوح بالسر ، فتداركت الامر و قلت له فيصل ليس إي إنسان و أسرارنا لا نخفيها عن بعضنا ولا نكشفها لأحد ، ثُمَّ نظرتُ إلى فيصل و يـــا هَوْلَ مــا رايت من ذلك الوجه ، ولا أدري كيف اصف وجه في تِلْكَ اللحظة ، و لأول مرة في حياتي أراه بهذه الحالة !! ، حتى أحمد بدا عليه الضيق و الغضب ، فسألني : لِمَاذا هُوَ منزعجٌ مني هكذا ؟ : قلت لا عليك { هو خلقته من الله هيك } ، عدنا و جلسنا و جلس الجميع يستمع و يشاهد الدبكات والغناء و أنا أَنْظر إلى فيـــصل و أحمـــد وكلٌ مِنْهُــم يريد أن ينقض على الآخر . إنتهى العرس ، وغادر الجميع ، ثُمَّ جاء إلي أحمد ليسلم علي ثُمَّ قال لي :-
مُنْذُ متى تعرف فيصل ؟ .
قلت :- منذ الصف الثاني الابتدائي ، لماذا تسأل ؟.
قال :- و كيف هِيَ علاقتكما ؟! .
قُلْتُ :- جيدة جداً ، عادية ، صديقين و زميلي في الفصل .
فضَحِك و قال :- هذا من جهتك أنت ، ولكن من جهته هو الامر أكثر من ذلك بكثير ، ثُمَّ غمزني و أدار لي ظهره و غادر تاركاً إيَّايَ مَــشْدُوهاً مَصْدُومَاً فاغراً فمي كالأبله . فنظرتُ إلى فيصل و إذ به يرمقني بنظرات مرعبة و قاسية و كلها عتب ٌ و وجهه مَشُوبٍ بملامحِ الخذلانِ و الاحباطِ ، ثم غادر إلى بيته تاركاً إياي في حيرة و هَمٌ وحُزنٌ و صدمة ، مَعْقُول ؟! ، كُلُ هذه الفترة ؟! و أنا لا اشعر به ؟! ولا حَتَّى حاول مَرَّةً أن يخبرني ؟! ، . ثُمَّ بدأت استرجع مواقف حدثت بيننا في السابق و كنت أفهمها شيء ، وهي ـــ في الحقيقة ـــ شيٌ آخر ، ثُمَّ إستنتجتُ بعد ذلك أنه كان يحاول أكثر من مَرَّة أن يلفت إنتباهي وأن يخبرني بحقيقة مشاعره نَحوي من خلال رسائل مشفرة و إيحاءات و إشارات و عِبارات ،، و فعلاً كما يقال : [[ شِـــــدَّةُ القربِ حِجــــــابٌ ]] .... يا ويلي ! ، يا لَـــغــبَائــي وَ حُمْقِي !!! ، ماذا أفعل الآن ؟! ، و كيف اُصلح الامر ؟! ، بقينا أنا و فيصل أيام لا نتحدث إلا بالدراسة و التلخيص و الواجبات المدرسية و نحوها ، و أنا لا أجروء على فتح الموضوع مَعَه .
يتبع

رجل مثلي *****Google إجابات-العلاقات الإنسانية-العالم العربي-الإسلام


أكثر...