كان الشيخ حمد يختم القرآن في رمضان من حفظه ،وكان ذا صوت خاشع وحزين في القراءة،وكان يملك دمعته ، ولكن إذا غلبه البكاء بكى وأبكى من حوله .
وكان ينتقي الآيات التي يقرؤها على الناس في الصلاة ، وكان انتقاؤه عجيباً مع حسن التلاوة وجودة مخارج الحروف،وكان يتلذذ بالقرآن ، وله تلاوة خاصة حزينة وخاشعة تأخذ بالنفوس وخصوصاً في صلاة الفجر .
وإذا قرأ بعض الآيات المؤثرة كانت له فيها تلاوة خاصة مثل قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآيات ..
كان يؤذن عني أحياناً إن تأخرت ، وكان أذانه خاشعاً وندياً .
ألقى كلمة عن وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله- فبكى بكاء مراً ولم يستطع مواصلة الكلمة .
وكانت له علاقة عجيبة بجماعة المسجد فالشيخ محبوب للجميع وخصوصاً كبار السن .
والشيخ كان حكيماً معهم ، ومما قيل في حكمته( الشيخ حمد يسكت كثيراً لكنه إذا تكلم أنطق الحجر )).
وأكثر جماعة المسجد من كبار السن ، وحتى يخبرهم بأني أنوب عنه في الصلاة مع صغر سني ، أقام الصلاة فلما سوى الصفوف نظر للباب ثم قال سأذهب لأرى الأطفال وقدمني للصلاة وخرج من المسجد ثم رجع ، ليقول لهم عملياً هذا هو من يتولى الصلاة نيابة عني في المستقبل .
ويؤكد هذه الحكمة العملية من الشيخ حمد ، ما حدث له في محاضرة له في أحد المساجد ، إذ حدثني : فبعد المحاضرة قام أحد كبار السن رافعاً صوته يسب إمام المسجد المقامة فيه المحاضرة وحصل أخذ ورد في المسجد فما كان للشيخ إلا أنه قام من بينهما واستقبل القبلة وصلى ركعتين ، فهدأ المتخاصمين وقال لهم الناس : لقد أحرجتمونا أمام الضيف ، ولم يتدخل الشيخ في المسألة بشيء . فهو يحل كثيراً من المشاكل بدون كلام يحلها بالفعل فقط .
وكان الشيخ يحرك المشاعر ويستغل المواقف في تنبيه الناس ووعظهم ويلقي كلمات مؤثرة ورقيقة .
وخطبه هادئة وتربوية .
خطب مرة عن : بر الوالدين وبكى في الخطبة .
وله إلقاء عجيب ومميز في الشعر ، وهو فصيح اللسان ، ولا يتكلم مع العمالة الأجنبية إلا بالفصحى .
وكان الشيخ دمث الأخلاق ويتميز بعبادته وحسن خلقه ،وكان يتعامل مع الأطفال بأبوة حانية وكأنهم أولاده .
وكان ربما لعب معهم في ألعابهم بجوار المسجد ،وكان يقول لي كثيراً : أنت مثل أولادي .
وقال لفقير محتاج : تراني حاطك مثل عيالي،وذلك من رحمته وعطفه وعظيم خلقه .
والشيخ حمد اجتماعي بدرجة عالية مع الجميع لا يفرق بين كبير وصغير وغني وفقير وبعيد وقريب يحب الناس ويحبه الناس ويحب الخير للغير .
وكان حريصاً على مشروع السلة الغذائية للفقراء في مسجده ولم يكن ليرد أحداً من السائلين مهما كان ولو بالقليل .
وللشيخ قدرة عالية في حل الخصومات والمنازعات والصلح بين الزوجين .
والشيخ حمد زاهد في أموال الناس ، ولا يحب المظهرية ،وربما اقترض مني ليتصدق على فقير جاءه في المسجد ، ويرجع المال في غضون أيام قلائل .
واستأجرت عنده فجعل الإيجار قليلاً ولم يكن يلزمني بالسداد أو يذكرني به .
وكان الشيخ واسع الصدر حليماً خفيف الظل صاحب نكتة وطرافة وصنع المواقف الطريفة مع كل أحد يعرفه ، ويضفي جواً من المرح في كل المواقف .
مع أنه كان يعني من مرض الكبد أكثر من أربع عشرة سنة إلا أنني تفاجأت حين علمت بمرضه لأنه صابر لا يشتكي راضٍ بقضاء الله تعالى .
وكان آخر حياته يجهد في الصلاة ويتكئ على حامل المصحف ، وأول رمضان صلى بالجماعة ثم ترك الإمامة بالناس لكنه يصلي في المسجد، وكان يصلي واقفاً ويصلي أحياناً جالساً في التراويح في الركعة الثانية .
ولما كان في المستشفى طلب مني كتيبات لدعوة غير المسلمين ، ولا يترك ممرضاً أو ممرضةً أو طبيباً أو عاملاً إلا ويعطيه كتيباً دعوياً عن الإسلام .
مرضت في رمضان بنوبة زكام حادة فجاءني الشيخ وكان منهكاً فأخذ يرقيني ، ومع أن حرارتي كانت مرتفعة إلا أن حرارته كانت أكثر مني فقلت له : هل أرقيك يا شيخ ؟ فأنت أحق بها ، فضحك الشيخ رحمه الله .
في فجر الجمعة أعلنت بعد الصلاة خبر وفاة الشيخ فبكى الناس ، وقال أحدهم : لم أبك على والد مثل ما بكيت على الشيخ حمد .
ومن طرافته ورغبته في إدخال السرور على من حوله ربما فرك أذن المؤذن أو أحد شباب المسجد أو وضع المنديل في أذنه من الخلف ثم يبتسم في وجهه .
كان إذا أراد إقامة الصلاة تنحنح ، ومرة تنحنح قبل وقت الإقامة بكثير ، فقمت لأقيم الصلاة فرأيته فضحك وأشار إلى حلقه وأخذ يقبل يده ظهراً لبطن ويقول الحمد لله وكان موقفاً طريفاً في المسجد .

إلى الله رجوعيالإسلام


أكثر...