المقال الذي نشرته صحيفة (التلغراف) البريطانية بقلم كبير مراسليها: " كولن فريمان" في 4/3/2014 تحت عنوان: " انسوا أوباما والإتحاد الأوربي، الرجل الذي ينبغي أن ينال جائزة نوبل للسلام هو رجل دين عراقي" وضّح فيه أن السيد السيستاني "حال أكثر من أي شخص آخر دون اندلاع حرب أهلية في البلاد".

بيد أن أولئك الذين يتمسكون بالفكرة غير العصرية التي تقوم على أساس أنه ينبغي أن يكون للمرشحين لجائزة نوبل للسلام سجلاً في وقف قتل الناس، يجب أن لا ييأسوا. فلا يزال هناك الكثير من المرشحين الجديرين باستلام الجائزة، و شخصياً في ذهني واحد. ويمكن قراءة أوراق ترشيحه على النحو التالي: رجل بشّر بالسلام بين طرفين متحاربين. رجل حث شعبه على عدم الرد مطلقاً، حتى عندما سقط الآلاف نتيجة جرائم قتل تعرض لها الرجال والنساء والأطفال. رجل يعيش بهدوء وتواضع، ولا يسعى إلى تحقيق أي مكاسب شخصية ولا حتى مكاتب سياسية - ناهيك عن أي اعتراف عبر جائزة نوبل للسلام. لا، أنا لا أتحدث عن جائزة لنيلسون مانديلا بعد وفاته (فاز بها في عام 1993). بدلاً من ذلك، إن الرجل الذي في ذهني هو آية الله العظمى علي السيستاني، أرفع رجل دين مسلم شيعي في العراق، الذي حال، وأكثر من أي شخص آخر، دون اندلاع حرب أهلية في البلاد. عن أي آية الله أتكلم؟ على الأرجح لم تسمع به من قبل. على خلاف العادة لدى بعض الزعماء الدينيين في العراق، فإنه لا يظهر على شاشات التلفاز ولا يقوم بالتلويح بالكلاشنكوف، ولم يتم تصويره مع بوش أو بلير من قبل. وعلى حد علمي، فإنه لم يوافق على لقاء أي سياسي غربي حتى الآن. بدلاً عن ذلك، يقوم الفقيه البالغ من العمر 83 عاماً بمتابعة العمل بهدوء حيث يسكن في منزله المتواضع في أحد الشوارع الجانبية في مدينة النجف المقدسة، ويُصدر بيانات مختلفة لأتباعه، والذين يشكلون الغالبية العظمى من الشيعة المعتدلين في العراق. في الواقع، إنّ بعض هذه البيانات ليست تقدمية للغاية بالنسبة لحكم اسكندنافي لجائزة نوبل، فكما عند غالبية رجال الدين الشيعة فإن السيستاني يحرم الرقص أو الشرب. كما أصدر فتوى عام 2006 يدعو فيها لهدر دم المثليين "بأشنع الطرق" (تم نفيها لاحقاً لصدورها بالخطأ عبر أحد مساعديه كما يزعم البعض). لكن وفقاً للمعايير العراقية، فإنّ السيستاني يشكل صوتاً بارزاً في مجال الاعتدال والتسامح والسلام، والذي من دونه لانجرّت البلاد لأحداث دموية أشنع مما هي عليه الآن. لفهم الصورة بشكل أفضل، عليكم العودة إلى بُعيد الغزو الأمريكي للعراق، عندما قام البعثيين السابقين من السنة بتشكيل تحالف سافر مع المتعصبين السنة في القاعدة. ففي حين أنّ قتل الأمريكان شكّل إحدى أولوياتهم، فإنّ اندفاعهم الحقيقي كان لقتل الشيعة الذين لم ينظر لهم كمتعاونين مع الولايات المتحدة فحسب، بل وكمرتدين أيضاً. لقد عانى المجتمع الشيعي في العقد المنصرم من أبشع أساليب التحريض. فمعظم السيارات المفخخة التي انفجرت على مر السنين في بغداد قد استهدفت الأحياء الشيعية مودية بحياة الآلاف. كما يقوم الانتحاريون السنة بوضع الكمائن بانتظام للزوار الشيعة الذين يقصدون مدينة النجف في المناسبات السنوية المقدسة لتحويلها إلى مذبحة مستمرة. وفي سنة 2006، قامت القاعدة بتفخيخ مرقد الشيعة المقدس في سامراء وتفجيره، وهو فعل شبيه إلى حد بعيد بتدمير كنيسة القديس بطرس. رغم كل الدماء التي سفكت ناشد السيستاني العامة من الشيعة إلى عدم الاندفاع نحو الانتقام، ولكنه لم ينجح تماماً في ذلك ففي السنة التي تلت تدمير المرقد، اندلعت حرب أهلية بين السنة والشيعة مخلّفة وراءها عشرات الآلاف من ضحايا العنف. لكن كما هي الحال في معظم الأحداث في العراق، فإن الأهوال التي حصلت لا تشكل شيئاً مقارنة بمدى سوء الأحداث التي كان يمكن أن تحدث. فلدى طلبه من العراقيين إدارة الخد الآخر عند تلقي الضربات، حتى عندما كانت ملطخة بدم واحد من أحبائهم، فقد أسهم السيستاني بتفادي كارثة شاملة، ويعزو العديد من الدبلوماسيين الغربيين بالفضل إليه. ففي حين متابعة دوره هذا اليوم، لا يزال تنظيم القاعدة يستمر في سعيه لإعادة إشعال الحرب الأهلية. لكن أكثر ما يجعل من السيستاني رجل الدولة هو أنه يحض على السلام رغم عدم تلقيه الامتنان اللازم من المحيطين به. فالشيعة يتهمونه بجبنه في مواجهة العدوان من قبل السنة.

الثقلين313 (علي ولي الله)Google إجابات-العلاقات الإنسانية-العالم العربي-الإسلام-الثقافة والأدب


أكثر...